و
من ذلك دعاء لمولانا الصادق ع لما استدعاه المنصور مرة خامسة
إلى
بغداد قبل قتل محمد و إبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ع وجدتها في كتاب عتيق في
آخره و كتب الحسين بن علي بن هند بخطه في شوال سنة ست و تسعين و ثلاثمائة
قال
حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة الهمداني بالمصيصة قال حدثنا
محمد بن العباس بن داود العاصمي قال حدثنا الحسن بن علي بن يقطين عن أبيه قال حدثني
محمد بن الربيع الحاجب قال قعد المنصور أمير المؤمنين يوما في قصره في القبة
الخضراء و كانت قبل قتل محمد و إبراهيم تدعى الحمراء و كان له يوم يقعد فيه يسمى
ذلك اليوم يوم الذبح و قد كان أشخص جعفر بن محمد ع من المدينة فلم يزل في الحمراء
نهاره كله حتى جاء الليل و مضى أكثره قال ثم دعا أبي الربيع فقال يا ربيع إنك تعرف
موضعك مني و أنه يكون إلى الخير و لا تظهر عليه أمهات الأولاد و تكون أنت المعالج
له فقال قلت له يا أمير المؤمنين ذلك من فضل الله علي و فضل أمير المؤمنين و ما
فوقي في النصح غاية قال كذلك أنت سر الساعة إلى جعفر بن محمد بن فاطمة فأتني به على
الحال الذي تجده عليه لا تغير شيئا مما عليه فقلت إنا لله و إنا إليه راجعون هذا و
الله هو العطب إن أتيت به على ما أراه من غضبه قتله و ذهبت الآخرة و إن لم آت به و
أذهبت في أمره قتلني و قتل نسلي و أخذ أموالي فميزت بين الدنيا و الآخرة فمالت نفسي
إلى الدنيا قال محمد بن الربيع فدعاني أبي و كنت أفظ ولده و أغلظهم قلبا فقال لي
امض إلى جعفر بن محمد فتسلق على حائطه و لا تستفتح عليه بابا فيغير بعض ما هو عليه
و لكن انزل عليه نزولا فأت به على الحال التي هو فيها قال فأتيته و قد ذهب الليل
إلا أقله فأمرت بنصب السلاليم و تسلقت عليه الحائط فنزلت عليه داره فوجدته قائما
يصلي و عليه قميص و منديل قد ائتزر به فلما سلم من صلاته قلت له أجب أمير المؤمنين
فقال دعني أدعو و ألبس ثيابي فقلت له ليس إلى تركك و ذلك سبيل قال فأدخل المغتسل
فأطهر قال قلت و ليس إلى ذلك سبيل فلا تشغل نفسك فإني لا أدعك تغير شيئا قال
فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه و منديله و كان قد جاوز السبعين ع فلما مضى بعض
الطريق ضعف الشيخ فرحمته فقلت له اركب فركب بغل شاكري كان معنا ثم صرنا إلى الربيع
فسمعته و هو يقول له ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل و جعل يستحثه استحثاثا شديدا فلما
أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد و هو بتلك الحال بكى و كان الربيع يتشيع فقال
له جعفر ع يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا فدعني أصلي ركعتين و أدعو قال شأنك و ما تشأ
فصلى ركعتين خففهما ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه إلا أنه دعاء طويل و المنصور في
ذلك كله يستحث الربيع فلما فرغ من دعائه على طوله أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على
المنصور فلما صار في صحن الإيوان وقف ثم حرك شفتيه بشيء ما أدري ما هو ثم أدخلته
فوقف بين يديه فلما أنظر إليه قال و أنت يا جعفر ما تدع حسدك و بغيك و فسادك على
أهل هذا البيت من بني العباس و ما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد و نكد ما يبلغ به ما
تقدره فقال له و الله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا و لقد كنت في ولاية بني
أمية و أنت تعلم أنهم أعداء الخلق لنا و لكم و أنهم لا حق لهم في هذا الأمر فو الله
ما بغيت عليهم و لا بلغهم عني سوء مع جفائهم الذي كان لي فكيف يا أمير المؤمنين
أصنع الآن هذا و أنت ابن عمي و أمس الخلق بي رحما و أكثرهم عطاء و برا فكيف أفعل
هذا فأطرق المنصور ساعة و كان على لبد و عن يساره مرفقه خز مقاينة و تحت لبده سيف
ذو فقار كان لا يفارقه إذا قعد في القبة قال أبطلت و أتمت ثم رفع ثنى الوسادة فأخرج
منها أضبارة كتب فرمى بها إليه و قال هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي
و أن يباعوك دوني فقال و الله يا أمير المؤمنين ما فعلت و لا أستحل ذلك و لا هو من
مذهبي و إني لمن من يعتقد طاعتك على كل حال و قد بلغت من السن ما قد أضعفني من ذلك
لو أردته فصيرني في بعض جيوشك حتى يأتيني الموت فهو مني قريب فقال لا و لا كرامة ثم
أطرق و ضرب يده إلى السيف فسل منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه فقلت إنا لله ذهب و الله
الرجل ثم رد السيف ثم قال يا جعفر أ ما تستحي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب أن تنطق
بالباطل و تشق عصا المسلمين تريد أن تريق الدماء و تطرح الفتنة بين الرعية و
الأولياء فقال لا و الله يا أمير المؤمنين ما فعلت و لا هذه كتبي و لا خطي و لا
خاتمي فانتضى من السيف ذراعا فقلت إنا لله مضى الرجل و جعلت في نفسي إن أمرني فيه
بأمر أن أعصيه لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا فقلت إن أمرني
ضربت المنصور و إن أتى ذلك علي و على ولدي و تبت إلى الله عز و جل مما كنت نويت فيه
أولا فأقبل يعاتبه و جعفر يعتذر ثم انتضى السيف كله إلا شيئا يسيرا منه فقلت إنا
لله مضى و الله الرجل ثم أغمد السيف و أطرق ساعة ثم رفع رأسه و قال أظنك صادقا يا
ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة فأتيته بها فقال أدخل يدك فيها فكانت
مملوة غالية وضعها في لحيته و كانت بيضاء فاسودت و قال احمله على فاره من دوابي
التي أركبها و أعطه عشرة آلاف درهم و شيعه إلى منزله مكرما و خيره إذا أتيت به إلى
المنزل بين المقام عندنا فنكرمه و الانصراف إلى مدينة جده رسول الله ص فخرجنا من
عنده و أنا مسرور فرح لسلامة جعفر ع و متعجب مما أراد المنصور و ما صار إليه من
أمره فلما صرنا في الصحن قلت له يا ابن رسول إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك و
ما أصارك الله إليه من كفايته و دعافه و لا عجب من أمر الله عز و جل و قد سمعتك
تدعو عقيب الركعتين بشيء في الأصل بدعاء لم أدر ما هو إلا أنه طويل و رأيتك قد
حركت شفتيك هاهنا أعني الصحن بشيء لم أدر ما هو فقال لي أما الأول فدعاء الكرب و
الشدائد لم أدع به على أحد قبل يومئذ جعلته عوضا من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت
صلاتي لأني لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به و أما الذي حركت به شفتي فهو دعا رسول
الله ص يوم الأحزاب حدثني به أبي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ع عن رسول الله ص
قال لما كان يوم الأحزاب كانت المدينة كالإكليل من جنود المشركين و كانوا كما قال
الله عز و جل إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ
زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً
فدعا رسول الله ص بهذا الدعاء و كان أمير المؤمنين ص يدعو به إذا أحزنه أمر و
الدعاء اللهم احرسني بعينك التي لا تنام و اكنفني بركنك الذي لا يضام و اغفر لي
بقدرتك علي رب لا أهلك و أنت الرجاء اللهم أنت أعز و أكبر مما أخاف و أحذر بالله
أستفتح و بالله أستنجح و بمحمد رسول الله ص أتوجه يا كافي إبراهيم نمرود و موسى
فرعون اكفني ما أنا فيه الله الله ربي لا أشرك به شيئا حسبي الرب من المربوبين حسبي
الخالق من المخلوقين حسبي المانع من الممنوعين حسبي من لم يزل حسبي حسبي مذ قط حسبي
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ثم قال لو لا الخوف من
أمير المؤمنين كنت لدفعت إليك هذا المال و لكن قد كنت طلبت مني أرضي بالمدينة و
أعطيتني بها عشرة آلاف دينار فلم أبعك و قد وهبتها لك قلت يا ابن رسول الله إنما
رغبتي في الدعاء الأول و الثاني و إذا فعلت هذا فهو البر و لا حاجة إلى الآن في
الأرض فقال إنا أهل بيت لا نرجع في معروفنا نحن ننسخك الدعاء و نسلم إليك الأرض سر
معي إلى المنزل فصرت معه كما تقدم المنصور و كما كتب لي بعهده الأرض و أملى علي
دعاء رسول الله ص و أملى علي الذي دعا هو بعد الركعتين ثم ذكر في هذه الرواية
الدعاء الذي قدمناه نحن في الرواية الأولى الذي أوله اللهم إني أسألك يا مدرك
الهاربين و يا ملجأ الخائفين و هو في النسخة العتيقة نحو ست قوائم بالطالبي إلى
آخره و هو قوله أنت ربي و أنت
حسبي
و نعم الوكيل و المعين قال فقلت يا ابن رسول الله لقد كثر استحثاث المنصور لي و
استعجاله إياي و أنت تدعو بهذا الدعاء الطويل متمهلا كأنك لم تخشه قال فقال لي نعم
قد كنت أدعو به بعد صلاة الفجر بدعاء لا بد منه فأما الركعتان فهما صلاة الغداة
خفقهما و دعوت بذلك الدعاء بعدهما فقلت له أ ما خفت أبا جعفر و قد أعد لك ما أعد
قال خيفة الله دون خيفته و كان الله عز و جل في صدري أعظم منه قال الربيع كان في
قلبي ما رأيت من المنصور و من غضبه و حنقه على جعفر و من الجلالة له في ساعة ما لم
أظنه يكون في بشر فلما وجدت منه خلوة و طيب نفس قلت يا أمير المؤمنين رأيت منك عجبا
قال ما هو قلت يا أمير المؤمنين رأيت غضبك على جعفر غضبا لم أرك عضبته على أحد قط و
لا على عبد الله بن الحسن و لا على غيره من كل الناس حتى بلغ بك الأمر أن تقتله
بالسيف و حتى أنك أخرجت من سيفك شبرا ثم أغمدته ثم عاتبته ثم أخرجت منه ذراعا ثم
عاتبته ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيرا فلم أشك في قتلك له ثم انحل ذلك كله فعاد رضى
حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت و لا يغلف منها ولدك
المهدي و لا من وليته عهدك و لا عمومتك و أجزته و حملته و أمرتني بتشييعه مكرما
فقال ويحك يا ربيع ليس هو مما ينبغي أن يحدث به و ستره أولى و لا أحب أن يبلغ ولد
فاطمة ع فيفخرون و يتيهون بذلك علينا حسبنا ما نحن فيه و لكن لا أكتمك شيئا أنظر من
في الدار ثم قال لي ارجع و لا يتق أحدا ففعلت ثم قال لي ليس إلا أنا و أنت و الله
لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لأقتلنك و ولدك و أهلك أجمعين و لآخذن مالك قال قلت
يا أمير المؤمنين أعيذك بالله قال يا ربيع قد كنت مصرا على قتل جعفر و لا أسمع له
قولا و لا أقبل له عذرا و كان أمره و إن كان ممن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهم علي
من أمر عبد الله بن حسن و قد كنت أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني أمية فلما
هممت به في المرة الأولى تمثل لي رسول الله ص فإذا هو حائل بيني و بينه باسط كفيه
حاسر عن ذراعيه قد عبس و قطب في وجهي فصرفت وجهي عنه ثم هممت به في المرة الثانية و
انتضيت من السيف أكثر مما انتضيت منه في المرة الأولى فإذا أنا برسول الله ص قد قرب
مني و دنا شديدا و هم بي أن لو فعلت لفعل فأمسكت ثم تجاسرت و قلت هذا بعض أفعال
الرأي ثم انتضيت السيف في الثالثة فتمثل لي رسول الله ص باسط ذراعيه قد تشمر و احمر
و عبس و قطب حتى كاد أن يضع يده علي فخفت و الله لو فعلت لفعل و كان مني ما رأيت و
هؤلاء من بني فاطمة ص و لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة فإياك أن يسمع
هذا منك أحد قال محمد بن الربيع فما حدثني به أبي حتى مات المنصور و ما حدثت أنا به
حتى مات المهدي و موسى و هارون و قتل محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق